الأمراض العصبيَة والنَفسيَة : بين واقع مر ومستقبل مستتر

 

 

الحياة سفينة كبيرة شبيهة ” بالتيتانيك ” تنقسم إلى درجات إجتماعيَة مختلفة فيها الغني والفقير ومتوسَط الحال أيضا  ورغم أنَ الفرق واضح بين الطَبقات إلاَ أنَ مصيرهم واحد ،ففي نهاية المطاف الموت ينتظر الجميع ليلغي جميع هذه الفوارق ،كذلك هو المرض الذي ينقض على الصَغير والكبير ، الغني والفقير دون إستثناء فالآلام والأعراض هي نفسها  ولكن  الفرق يكمن  في قدرة المريض على المقاومة ودرجة صموده تجاه المرض.

يعتقد البعض أنَ الأمراض العصبيَة والنفسيَة قد تبدو عاديَة وغير خطيرة في حين أنَ الواقع غير ذلك خاصَة إذا ما تأمَلنا في عدد المقيمين وراء أسوار مستشفى علاج الأمراض العصبيَة والنَفسيَة (الرازي ) الذين تجاوز عددهم اليوم ال5778 مريضا وهو رقم ضخم مقارنة بالحجم الجغرافي للبلاد والتعداد السَكاني للمجتمع التونسي ،فالأمراض العصبيَة والنفسية قد تهدم حياة أسرة وتتسبب في إختلال مجتمع بأكمله   .

أمراض نفسيَة وعصبيَة محيَرة

وحسب إحصائيات أجريت حول مستشفى الأمراض النَفسيَة والعصبيَة (الرازي) فإنَ نسبة المصابين بالأمراض العصبيَة في تزايد مستمر وأنَ اغلب المقيمين فيه من الَذكور مقابل نسبة أقل للإناث ،ويرجع  أطبَاء الأمراض النَفسيَة والعصبيَة  ذلك كون النَساء أقل عدوانيَة من الرجل نظرا  لطبيعة المرأة البيولوجيَة والنَفسية التي فطرها الخالق عليها فهي تملك القدرة على الصبر والتحمل تجاه المشاكل والصدمات أكثر من الرجل خاصَة وأنَها أقدر منه على تحمَل ثاني أصعب ألم في العالم بعد الموت حرقا وهو ألم الولادة.

فمستشفى الأمراض النفسية والعصبيَة مهما إختلف نوعه سواء كان عموميا أو خاص ينقسم إلى وحدات مختلفة يقع فصلها حسب طبيعة المرض العصبي ودرجة خطورة المريض، فنجد أنَ أكثر الأقسام خطورة هي التي تحتوي على فئة الذَكور ويعود ذلك إلى طبيعة الرَجل  العدوانية  حيث يؤكد أطباء الإختصاص أن الرجل عندما يصاب بمرض عصبي شديد أو نفسي ناتج عن صدمة معيَنة بالحياة يتحوَل  إلى وحش كاسر فيكون أكثر شراسة وهيجانا من المرأة ولهذا السَبب بالتَحديد يقع وضع هذا النَوع من المرضى في أقسام خاصَة وعدم الترخيص لهم بالخروج إلى المجتمع بتاتا فتصبح إقامتهم  بالمستشفى أمرا ضروريَا وثابتا حرصا على سلامتهم  وعلى أمن المجتمع في نفس الوقت .

أسباب مختلفة

يؤكَد أطبَاء علم النَفس وعلاج أمراض الأعصاب أنَ الأسباب تختلف من حالة إلى أخرى فنجد الأشخاص الذين يعانون من الأمراض العصبيَة الخلقيَة (التخلف الذهني والإضطرابات السلوكيَة الراجعة إلى نقص في الإدراك العقلي  التي تظهر منذ الولادة) و المرضى الذين سقطوا بين براثن الأمراض العصبيَة والنَفسيَة جرَاء صدمة نفسيَة شديدة التي غالبا ما تقترن برفض فكرة الضعف والمرض، فلا يقتنع المريض بضرورة التداوي والعلاج النفسي ومع الوقت وعدم القدرة على نسيان الصدمة تتفاقم الحالة التي قد تصل الى مرض عقلي يصعب علاجه.

يفسَر أطبَاء علم النَفس إختلاف الأمراض النَفسيَة والعصبيَة وتفاوتها من حالة إلى أخرى بإختلاف تركيبة الشخصية من شخص الى آخر حيث تختلف ردات الفعل تجاه الصدمات حسب درجة ثبات وقوة الشخصية المصدومة التي يحصرها الأطبَاء في ثلاثة أسباب رئيسيَة وهي العائلة التي قد تكون وراء هذه الصدمة (قتل الأب للأم أمام الأطفال ،فقدان شخص عزيز ) أو تكون العائلة السبب وراء هذا المرض عند إصابة احد الوالدين بالمرض لأنَ الأمراض العصبيَة والنَفسية يمكن أن تكون متوارثة أيضا فعلميَا كلَما كانت الأرضية العائلية مهيئة لمثل هذه الأمراض كلَما كانت إمكانية الاصابة بالمرض ممكنة .
أمَا السبب الثاني فهو المجتمع (فقدان وظيفة ،التعرض للخيانة  ،الطلاق التعرض للعنف اللفظي والجسدي ،الإقصاء والنبذ الاجتماعي جميعها  عوامل مسببة للأمراض العصبيَة والنَفسيَة في حين يكمن السبب الثالث الذي يقف وراء ظهور هذه الإضطرابات النفسية والعصبيَة  في نسبة توازن علاقة الفرد بذاته ،العائلة والمجتمع ودرجة إقباله على الحياة فكلَما كان الشخص فاقدا للأمل وكارها للحياة كلَما كانت درجة ضعفه وإصابته بالمرض النفسي أو العصبي أكبر .

و رغم الإعتقاد السَائد بأنَ نسبة الشَفاء من الأمراض النفسية والعصبيَة الشديدة ضعيفة وغير متوقَعة إلاَ أنَ الواقع يثبت غير ذلك فحسب معلومات نشرها محرك البحث الإخباري الشهير “تورس ” عن  دراسة علمية ثابتة لمستشفى الرازي فان ما بين 30% و40% من المرضى ينجحون في التَخلص من أمراضهم والعودة إلى الحياة من جديد خاصَة إذا ما توفَرت الاحاطة الاجتماعية والأسرية الضرورية وتكاتفت مع  الجهود الطبيَة من أجل علاج المريض فإنَ ذلك حتما قد يحدث المفاجأة!