تعلَم العيش مع المرض
صحيح أنَ الحياة صعبة ، عندما يجبرك القدر على العيش مع المرض إذا كان مزمنا ، أو خبيثا .. ولكَن هذه الأمراض ترقى بأصحابها لتجعلهم أبطال قصصهم التي تنسجها مقاومتهم الباسلة والشَجاعة من أجل الحياة ، وكم يكون الوضع أسوأ وأكثر صعوبة عندما يجبر طفل (بين 6 و12 سنة أقل أو أكثر ..) على العيش مع مرض مزمن أشد منه قوة وهذا الأمر لا يستدعي شجاعة من الطفل فقط بل هو إختبار صعب للأسرة بأكملها .
وفي هذا الصدد يقول الدكتورلورانس Queffelec، مؤسس وكالة فرانس برس أنَ إكتشاف مرض خطير خاصة عند فئة الأطفال ينتج موجة كبيرة من الصدمات على الأسرة، فهذا الواقع لا يعطل حياة الفرد المريض فقط بل يؤثَر سلبا أيضا على حياة الآباء، والأشقاء، وحتَى الأصدقاء .
فجأة تتغيَر الحياة اليومية فلم يعد هاجس الأم الأوَل تحضير فطور الصباح ولوازم المدرسة بل تصبح مهمة تنظيم وقت الاستشارات الطبية، والحرص على القيام بالفحوصات الطبية اللازمة وتوفير العلاج الضروري هي أهمَ أولوياتها ، والأمراض الصعبة والمزمنة لا تستثني أحدا فالكل أصبح مستهدفا، وأفضل مثال على ذلك ظاهرة العقم التي قد تصيب الأزواج وتحول أمام حلم الإنجاب ، فتصبح السعادة الزوجية مرتبطة بحلم الحمل والإنجاب ، وهذا النوع من المرض (العقم ) ورغم أن العلم والطب قد حد من آثاره بإختراع تقنية طفل الأنبوب إلاَ أنَ المعاناة لا تزال مستمرة عند العديد من الأزواج .
تتعدَد الأمراض ولكنَ الحياة واحدة ، فإذا ما تأمَلنا في مختلف الفئات التي تتعايش مع الأمراض المزمنة والصَعبة سنجد أن المعاناة هي نفسها (وحدة ، حزن ، خوف ، فقدان أمل وأحيانا إحباط …) بل وقد تجعل الأمراض الأشخاص أكثر عدوانية وشراسة غير قادرين على التعامل مع الآخرين ، وهذا الصراع يزيد من شعور العائلة المحيطة بالذنب والعجز في نفس الوقت ، ففي حالة الأمراض المزمنة (السكري ، الفشل الكلوي ، القلب ، الشَلل ….) يشعر الأهل بأنهم لا يملكون القدرة الكافية للتخفيف عن الشخص المريض خاصَة الأطفال الذين قد تعجز قلوبهم الصَغيرة تقبَل فكرة العيش الدَائم مع الألم ، ولكن رغم ذلك نجد أن عددا كبيرا منهم قد تعوَدوا العيش مع المرض و أدمجوا الألم في حياتهم ليصبح جزءا منها فيتعلمون العيش معه .
كيف تتم عمليَة التَعايش ؟
عندما يظهر المرض في سن المراهقة، تكون الصدمة كبيرة خاصَة وأنَ المريض يجد نفسه أمام تحدي كبير وهو قبول هذه التحولات الجسدية والنفسية المتعلقة بمرضه ، وحسب دراسة شهيرة عن أمراض المراهقة المزمنة وبعد دراسات معمَقة لبعض الحالات تبيَن أنَ أغلب المرضى يدركون تماما أنهم أصبحوا أسرى لنظام حياتي معيَن يجبرهم على الإلتزام به ، حيث يقول مارك (25 عاما) يعاني من مرض كرون منذ سن ال 16، ورئيس مجموعة “الشباب” من رابطة فرانسيس. “أصبحنا ندرك تماما معنى كلمة مرض ، فأنا كنت رجل إطفاء متطوع وأردت أن أصبح رجل إطفاء محترف ، واضطررت الى التخلي عن حلمي بسبب مرضي “.
سواء كانوا كبارا أو صغارا يرغب جميع المرضى في مواصلة حياتهم بصفة طبيعية حتَى وإن كانت معرضة للخطر، ولكن المرض يضعهم دائما أمام الواقع خاصَة مع درجة الرقابة والعناية التي تمارس عليهم من قبل الأهل ، ولكن رغم كل صعوبات المرض ومخلَفاته المؤلمة إلاَ أنه يمكن أن يكون سببا في تحسين العلاقات الأسرية كأن يجعل المريض أقرب إلى والديه وإخوته فتصبح العلاقة الأسرية أكثر عمقا وتواصلا وهذا ما وقع إثباته في أغلب الدراسات المتوغَلة في هذا الغرض فأغلب آراء المرضى على إختلاف أعمارهم يقرَون إقرارا تامَا أنَ سبب صمودهم أمام المرض وقبول فكرة التَعايش معه هو وجود الأهل بقربهم ودعمهم الدائم لهم وهو الجانب الجميل والمشترك بين أغلب القصص .