ماذا بعد الشَفاء من السَرطان ؟

 

 

 

جسد ضعيف ، ألم شديد ،فقدان للشهية ، وجه شاحب ، جمال يندثر ،معاناة قاسية ثمَ تحين الوفاة ، لم يعد هذا المشهد مقدَرا على جميع مرضى السَرطان ، فاليوم ، أصبح علاج هذه الآفة ممكنا خاصَة وأنَ التقنيات والعلاجات باتت أفضل بكثير من الماضي وهو ما تؤكَده لنا النتائج المذهلة التي حقَقها طب الأورام من خلال إنقاذ حياة الملايين ، فاليوم أكثر من 50٪ من مرضى السَرطان الذين تفطَنوا إلى هذا المرض لا يزالون على قيد الحياة بعد خمس سنوات من الإصابة ، وحوالي 40٪ منهم تمكَنوا من الشَفاء والعودة إلى الحياة من جديد ولكنَ هذه الحياة ستختلف عن الأخرى لأنَ أغلب المرضى الذين تغلَبوا على السَرطان تغيَرت نظرتهم للحياة وهي مرحلة يطلق عليها أطبَاء علم النفس بما  يسمى  “حياة ما بعد سرطان”  وهي مرحلة لا تعتبر سهلة حيث يصعب إسترجاع جسم تالف وحطام متعب من آفة السرطان ورغم أنَ أغلبهم يمرَون بتجارب مؤلمة خاصَة أثناء مرحلة العلاج الكيميائي إلاَ أنَ كثيرا منهم يحاولون الصمود أمام هذه العثرات التي قد تجعلهم يغيرون نظرتهم إلى كل شيء فمنهم من يخسر زواجه بسبب السرطان لعدم قدرة الشريك تحمَل عبء مرضه ومسؤوليَة العناية به أو بسبب تغيَر مظهر المريض (ة) وحوالي 10٪ من المرضى يفقدون وظائفهم نتيجة إضطرارهم إلى التغيب المستمر عن العمل لحضور جلسات العلاج الكيميائي وغيرها من الفحوصات الحياتية الضروريَة لإستكمال العلاج …جميعها تجارب قد يعيشها مريض السرطان ولكنَها سرعان ما تصبح دروسا قاسية من الحياة بعد القفز إلى قارب النَجاة والتَملَص من أنياب هذه الآفة .

فكيف هي الحياة بعد هذه التَجربة؟ كيف يمكن أن تكون بعد كل هذه المعاناة، الخسائر والألم؟ هل صحيح أنَ المرض هو بوَابة أخرى للمرور إلى عالم أفضل وأكثر وضوحا بعد التغلب عليه والشَفاء منه مهما كانت الظَروف؟

ماذا بعد الانتصار على السرطان؟

كثيرون تغلَبوا على مرض السرطان والتجارب تروي لنا ملاحم إنتصارات عظيمة على هذه الآفة ورغم الرَضوض والشَعور بالضعف والإنكسار بعد المعركة ورغم الألم المعنوي هم يعودون من جديد ولكن بأهداف وأحلام أخرى لأنَهم يعلمون تماما ما تعنيه الحياة ويشعرون بقيمة كل ثانية ودقيقة تمر من العمر ورغم أنَ إستئناف حياة طبيعية من جديد بعيدة كل البعد عن السهولة إلاَ أَنهم يرون أنَ الحياة تستحق بداية جديدة رغم الخسائر والظروف.

وكما سبق أن ذكرنا وحسب دراسة أوروبيَة حديثة ما يقارب 10٪ من المرضى يفقدون وظائفهم بسبب مرض السَرطان لذلك يعمل معهد غوستاف الروسي في باريس، إلى تنظيم دورات وجلسات منتظمة بهدف التأهيل المهني للمرضى.

التعب قبل كل شيء

ويؤكَد أطبَاء جراحة الأورام أنَ الإرهاق والتَعب هو أحد أعراض الإصابة بالسرطان وهو من الآثار الجانبية للعلاج أيضا ويعود الشَعور المفرط بالتَعب إلى خضوع المريض للعديد من الفحوصات الضروريَة للعلاج فيشعر المريض رغم شفائه من الورم السرطاني بالتعب الشديد إضافة إلى مروره ببعض الإضطرابات  في النوم والتي قد تكون بسبب العملية الجراحية في حالة الخضوع لها ، حيث يرى أهل الإختصاص أنَ إزالة ورم ليست عمليَة سهلة على الإطلاق فيكون المريض مجهدا من الأدوية وآثار التخدير، وفقدان الدم والألم إضافة إلى الخوف والقلق .

وهذه الحالة قد تظهر أيضا أثناء التصوير الطبَي والعلاج الإشعاعي، الذي يطال الخلايا السرطانية الخبيثة والخلايا السليمة أيضا بما في ذلك نخاع العظام حيث يتم إنتاج خلايا الدم الحمراء، وخلايا الدم البيضاء والصفائح الدموية. وعند انخفاض خلايا الدم الحمراء، يقل الهيموغلوبين في الدم، مما يسبب فقر الدم فينجر عنه ضعف في نقل الأكسجين لتغذية الخلايا والعضلات وهذا ما يسبب التعب.

الحياة الجنسيَة بعد السَرطان؟

وفي نفس السياق ،أجرى معهد كوري دراسة لتحديد ماهيَة وطبيعة الحياة الجنسيَة للمرأة بالتحديد بعد سرطان الثدي خاصَة ما يحدثه هذا المرض من تغيير في مظهر المرأة بعد جراحة الثدي إضافة إلى لتغيرات الهرمونية، (جفاف المهبل ، إنخفاض نسبة الأنوثة…) فتبيَن أنَ 41٪ من النساء اللواتي تغلبن على سرطان الثدي يعتقدن أن السرطان و علاجه أثَر كثيرا على حياتهم الجنسية بل وقد يصل الحد بالبعض إلى درجة الإنفصال بسبب الفتور الذي قد يخلق أثناء هذه الفترة .

هذه الحالات جعلت العديد من الجمعيات والهياكل تعمل جاهدة لدعم هؤلاء الأشخاص من خلال مساعدة الأزواج على إستعادة حياتهم الجنسيَة والعاطفيَة التي بعثرها السَرطان ، إضافة إلى هذه الجهود ظهرت هياكل تشجَع على ممارسة الرياضة بعد التغلَب على السرطان فظهرت شبكات إجتماعيَة un réseau associatif “Gym après le cancer“,  “رياضة بعد سرطان”، بدعم من جامعة الدول ضد السرطان la Ligue contre le cancer التي تدعو إلى ممارسة الرياضة واستعادة التوازن النَفسي والإجتماعي .

بعد العلاج، يحتاج العديد من المرضى إلى إستعادة حياتهم تدريجيَا بغض النَظر عن الظروف أو التغييرات التي قد تطرأ على حياتهم لذلك فإنَ للعائلة والأصدقاء والمحيط الخارجي دور هام للمساعدة، كما يجب على كل فرد من المجتمع أن يدرك تماما أنَ مساعدتهم واجب مشترك لأنَ هذا المرض لا يستثني أحدا وأنَ الواقع الصعب الذي يعيشه مرضى السَرطان يمكن أن يتحوَل إلى واقع أي أحد فينا.